رسالة كتبها الأسير محمد بسام بعجاوي من خلف زنزانته في سجن مجدو

ما بين هنا والخارج، بقلم الأسير محمد بعجاوي

IMG_٢٠٢١٠١١٩_١٢١٨١٧.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

الجميع يعد ايامه كلما أشرقت شمس و يبدو أكثر رواقًا وذو مزاج هادئ إذا استمع لفيروز أو جلس يتأمل صباحه مع فنجان قهوته أو حتى جلس يستمع إلى زقزقات العصافير مع شروق الشمس في الصبح ، في هذا العالم يا أحبتي كل شئ مختلف ولا نصحو على صوت فيروز الجميلة التي تغازل الجميع بأغنياتها وكلماتها ولا نستمع إلى زقزقات العصافير، هنا نصحو على قرقعة الأقفال والمفاتيح، وهنا نصحو على أصوات وقهقات السجانين وهم يستمتعون في إيقاظنا من نومنا، هنا نصحو على العدد ونصحو لنقف كالمسمار، نصحو على صديقٍ لنا قد عوقب وتم نقله إلى سجن آخر دون أن نودعه، نصحو على سلاحٍ قد صُوب نحو أعيننا و رباط بلاستيكي قد شلَّ حركة يديك، تجربةٌ غريبة مثل التي نشاهدها في أفلام الهوليود من قبل قوات القمع (المتسادا )، هنا نصحو على دفتر قد أُخذ من رفيق وعُوقب من أجله لانه لا يملك الحق في كتابة أي شيء، كل شيءٍ هنا مختلف حتى العصافير مختلفة،  فالعصافير التي نطرب على أصواتها هنا تُعتقل وتضرب،  هنا يا أحبتي لا نرى قمرًا ولا نغازل عشيقاتنا، هنا قد قُتلت الآلاف من قصص العشق والغرام، هنا يحتفظ الشخص بخاتم خطوبته التي انتهت قبل عشرين عاماً، وإن سألت عنها ضاع في بحر من الذكريات، هنا تبدَّل الأسود بالأبيض، هنا يا أحبتي لا تنام على سريرٍ فرشته عرضها مترين وخملها كخمل رأس السجان الذي يقرع الأقفال لنصحو على العدد، هنا قد ينهش عظمك البرد.

في هذا العالم إن مرضت تتنظر إلى أن تموت وبعد موتك قد تُوضع في ثلاجة حفظ الطعام حتى تنهي حكمك، هنا لا تلمس أهلك ولا تحتضن أمك هنا تكتفي بقبلةٍ على يد أمك من خلف الزجاج الذي فصل بينكم.

هنا يا أحبتي لا نعد فطورًا ملكيا كما نرى على التلفاز، هنا لا نرى السماء الربيعية الصافية، هنا نراها على شكل مربعات صغيرة، حتى المطر لا نستمتع به كما العشاق.

هنا قد ترى عجوزاً قد شاب شعره ونهشه الكبر ولا يزال يحلم حتى ثلاث عقود من الزمن أن يعانق والدته لا أن يعانق زهرة قد زرعت على قبرها.

هنا الكثير يحلم أن تكون له رفيقة ويزرع معها جنباً الى جنب في قلوب أولادهم الكثير من الأحلام والأمنيات التي فقدها يوماً.

هنا العالم مختلف في كل شيء ولكن في النهاية نحن ما زالنا على نفس الكوكب لم نخرج بعد.

 

الاسير محمد بسام بعجاوي

سجن مجدو (قسم 6)