قصيدة جديدة تعانق الشمس للأسير الأديب كميل أبو حنيش

لا تَكُفَّ عَنِ المَجِيء

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif

 

قصيدة جديدة للأسير الأديب كميل ابو حنيش

لا تَكُفَّ عَنِ المَجِيء

سَتَعودُ بَعضُ طفولتي في السِّجنِ أحياناً

فتَمتَزِجُ الطُّفولَةُ بالنُّضوجِ ...

قَدْ يُوقِفُ السِّجنُ انسِلالَ العُمرِ ...

و يُديرُ أيّامَ السَّجينِ إلى الوراءِ ...

و قَدْ يَنامُ الطِّفلُ في الإنسانِ عُمراً ...

و إذا بهِ يَسْتَفيقُ و يَستَعيدُ 

مَظاهِرَ العَبَثِ المُبَعثَرِ و الشَّقاوَةِ مِن جديدٍ

 كأنّني في هذهِ البيداءِ لم أكبُرَ كثيراً

و أراكَ يا ظلِّي الصَّغيرِ مُثابراً

في صُنعِ أنواعِ المقالبِ و الألاعيبِ العديدَةِ و المَرَحِ

فأُشيحُ وجهيَ باسِماً ... خَجِلاً بصمتٍ

مِن سُلوكِكَ عابِثاً ...

مُستنكِراً هذي الأفاعيلِ الغريبةِ و الهُراءِ 

و كأنَّ وجهَكَ ليسَ لي

"فمتى كَبُرتِ أيا أنايَ

لتُنكِري أفعالَ طِفلٍ تاه يوماً في الضَّبابِ"

و أراكَ يا طِفلي العزيزَ ... كأنّني ما كنتُ أنتَ

و لستَ ماضيَّ السَّعيدِ ...

و أراكَ تَضحَكُ ساخراً منّي 

إذا عَثرتُ خُطاي

و كلّما أُسقِطُ شيئاً من يداي 

و أراكَ تَمنَحُني المَزيدَ من الشَّقاوةِ

و ابتساماتٍ ستولدُ فجأةً في غيرِ موعِدها 

فتَهتُكَ ما تبدّى من وقاريَ 

و أراكَ تَسَخرُ من كلامي 

حينما أحتاجُ مُفردةً

فيَستَعصِيَ اللِّسانُ على الكلامِ

 

يا طفليَ المَزروعَ في الأعماقِ ، يا هذا الشَّقيَّ

متى ستكبرُ ، فالصِّغارُ يُغادِرونَ زمانَهم

يا طِفليَ المَسكونَ بالزَّمنِ الجَّميلِ...

ادنو قليلاً كي أحاورَ ظِلَّكَ المَنسِيَّ

في الماضي البَعيدِ

و تعالَ حَدِّثني ، بِما أُوتيتَ من شَغَفِ الحَياةِ و سِرِّها :

إن كانَ قَدْ سَاورَكَ حُلُماً

أنّني سأعيشُ في علبٍ منَ الإسمَنتِ

دهراً قد يطولُ لآخِرِ العُمرِ المَديدِ

أو رُبما قدْ خامَرَتكَ إشارةٌ ...

تُفضي بزَفِّ بِشارةٍ للإنعتاقِ منَ الحديدِ ...

و بأني سأعودُ يوماً للحقولِ 

و البساتينِ الظَّليلَةِ و الحياةِ بِلا قيودٍ

فأنا عَرَفتُكَ حالِماً ...

تتوقعُ الأحداثَ قبلَ وقوعِها

و كما همُ الأطفالُ دوماً يَحلِمونَ 

بِما سيأتي ، و يَرَونَ ما سَيجيءُ

في أقدارِهم ...

ادنو و حدّثني عنِ الأحلامِ في زمنِ الطُّفولَةِ و الرُؤى 

فأنا نَسيتُ بأنّني قَدْ كُنتُ

طِفلاً ذاتَ يومٍ

و نَسيتُ أن أتفحَّصَ الأشياءَ في ماضي رؤاي 

يا ظِلِّيَ المَغروسَ فيَّ ...

تعالَ كي ترويَ إليَّ حِكايَتي ...

فَلَرُبَّما سَتُعيدُني نحوَ الوراءِ ...

إلى الحَواري ، و التَّسَكُعِ في الرِّياضِ ...

و رُبَّما أحتاجُ أن تُسديَ النَّصيحَةَ ...

بعدما صَارَ الوَقارُ خَطيئةً و معرضاً للاندثارِ ...

و امسكْ يديّ ، مثلَ الحكاياتِ الطَّريفَةِ

حين تَختلِطُ البراءةُ بالخيالِ ،

لتَفِرَّ بي ، مُتَسَترينَ بعتمةِ اللَّيلِ البهيمِ

فلا يرانا الحارسُ اللَّيليُّ ...

و كما الخُرافةُ ... نمتطي طيراً خرافياً ...

سيأخذنا معاً لزمانِكَ المَهجورِ 

لمّا تَركتُكَ يا صغيريَ واقِفاً قُربَ الجِّدارِ

و ذهبتُ ابحثُ عن طريقٍ للنُّضوجِ مُبَكِراً 

حتى أشاركَ في انتفاضاتِ الكُبارِ

فأنا نَسيتُكَ يا صَديقيَ ...

و نَسيتُ أن أُعطيَكَ قلبكَ

كي تعيشَ نيابةً عنّي ...

فتعالَ كي أُعطيَكَ قلبكَ ...

ربَّما تَعثُرَ على دربٍٍ

يَقيَكَ من الضَّياعِ أو الدَّمارِ ...

و لكَ الخيارُ بأن تُغادِرَني 

و لكن لا تَكُفَّ عنِ المجيء ...

و لكَ الخيارُ بأن تعيشَ 

بجوفِ قلبي ...

أن تُغادرَ .... أو تظلَّ 

لكَ الخيارُ ... لكَ الخيارْ

كميل ابو حنيش

سجن ريمون الصحراوي