قصيدة جديدة للأسير الأديب كميل ابو حنيش
لا تَكُفَّ عَنِ المَجِيء
سَتَعودُ بَعضُ طفولتي في السِّجنِ أحياناً
فتَمتَزِجُ الطُّفولَةُ بالنُّضوجِ ...
قَدْ يُوقِفُ السِّجنُ انسِلالَ العُمرِ ...
و يُديرُ أيّامَ السَّجينِ إلى الوراءِ ...
و قَدْ يَنامُ الطِّفلُ في الإنسانِ عُمراً ...
و إذا بهِ يَسْتَفيقُ و يَستَعيدُ
مَظاهِرَ العَبَثِ المُبَعثَرِ و الشَّقاوَةِ مِن جديدٍ
كأنّني في هذهِ البيداءِ لم أكبُرَ كثيراً
و أراكَ يا ظلِّي الصَّغيرِ مُثابراً
في صُنعِ أنواعِ المقالبِ و الألاعيبِ العديدَةِ و المَرَحِ
فأُشيحُ وجهيَ باسِماً ... خَجِلاً بصمتٍ
مِن سُلوكِكَ عابِثاً ...
مُستنكِراً هذي الأفاعيلِ الغريبةِ و الهُراءِ
و كأنَّ وجهَكَ ليسَ لي
"فمتى كَبُرتِ أيا أنايَ
لتُنكِري أفعالَ طِفلٍ تاه يوماً في الضَّبابِ"
و أراكَ يا طِفلي العزيزَ ... كأنّني ما كنتُ أنتَ
و لستَ ماضيَّ السَّعيدِ ...
و أراكَ تَضحَكُ ساخراً منّي
إذا عَثرتُ خُطاي
و كلّما أُسقِطُ شيئاً من يداي
و أراكَ تَمنَحُني المَزيدَ من الشَّقاوةِ
و ابتساماتٍ ستولدُ فجأةً في غيرِ موعِدها
فتَهتُكَ ما تبدّى من وقاريَ
و أراكَ تَسَخرُ من كلامي
حينما أحتاجُ مُفردةً
فيَستَعصِيَ اللِّسانُ على الكلامِ
يا طفليَ المَزروعَ في الأعماقِ ، يا هذا الشَّقيَّ
متى ستكبرُ ، فالصِّغارُ يُغادِرونَ زمانَهم
يا طِفليَ المَسكونَ بالزَّمنِ الجَّميلِ...
ادنو قليلاً كي أحاورَ ظِلَّكَ المَنسِيَّ
في الماضي البَعيدِ
و تعالَ حَدِّثني ، بِما أُوتيتَ من شَغَفِ الحَياةِ و سِرِّها :
إن كانَ قَدْ سَاورَكَ حُلُماً
أنّني سأعيشُ في علبٍ منَ الإسمَنتِ
دهراً قد يطولُ لآخِرِ العُمرِ المَديدِ
أو رُبما قدْ خامَرَتكَ إشارةٌ ...
تُفضي بزَفِّ بِشارةٍ للإنعتاقِ منَ الحديدِ ...
و بأني سأعودُ يوماً للحقولِ
و البساتينِ الظَّليلَةِ و الحياةِ بِلا قيودٍ
فأنا عَرَفتُكَ حالِماً ...
تتوقعُ الأحداثَ قبلَ وقوعِها
و كما همُ الأطفالُ دوماً يَحلِمونَ
بِما سيأتي ، و يَرَونَ ما سَيجيءُ
في أقدارِهم ...
ادنو و حدّثني عنِ الأحلامِ في زمنِ الطُّفولَةِ و الرُؤى
فأنا نَسيتُ بأنّني قَدْ كُنتُ
طِفلاً ذاتَ يومٍ
و نَسيتُ أن أتفحَّصَ الأشياءَ في ماضي رؤاي
يا ظِلِّيَ المَغروسَ فيَّ ...
تعالَ كي ترويَ إليَّ حِكايَتي ...
فَلَرُبَّما سَتُعيدُني نحوَ الوراءِ ...
إلى الحَواري ، و التَّسَكُعِ في الرِّياضِ ...
و رُبَّما أحتاجُ أن تُسديَ النَّصيحَةَ ...
بعدما صَارَ الوَقارُ خَطيئةً و معرضاً للاندثارِ ...
و امسكْ يديّ ، مثلَ الحكاياتِ الطَّريفَةِ
حين تَختلِطُ البراءةُ بالخيالِ ،
لتَفِرَّ بي ، مُتَسَترينَ بعتمةِ اللَّيلِ البهيمِ
فلا يرانا الحارسُ اللَّيليُّ ...
و كما الخُرافةُ ... نمتطي طيراً خرافياً ...
سيأخذنا معاً لزمانِكَ المَهجورِ
لمّا تَركتُكَ يا صغيريَ واقِفاً قُربَ الجِّدارِ
و ذهبتُ ابحثُ عن طريقٍ للنُّضوجِ مُبَكِراً
حتى أشاركَ في انتفاضاتِ الكُبارِ
فأنا نَسيتُكَ يا صَديقيَ ...
و نَسيتُ أن أُعطيَكَ قلبكَ
كي تعيشَ نيابةً عنّي ...
فتعالَ كي أُعطيَكَ قلبكَ ...
ربَّما تَعثُرَ على دربٍٍ
يَقيَكَ من الضَّياعِ أو الدَّمارِ ...
و لكَ الخيارُ بأن تُغادِرَني
و لكن لا تَكُفَّ عنِ المجيء ...
و لكَ الخيارُ بأن تعيشَ
بجوفِ قلبي ...
أن تُغادرَ .... أو تظلَّ
لكَ الخيارُ ... لكَ الخيارْ
كميل ابو حنيش
سجن ريمون الصحراوي