الرفيق الأسير أبو طه يكتب من قلب زنزانته في سجن نفحة الصحراوي

أهمية الثقافة في مفهومنا الوطني

خصائص_الثقافة

خاص مركز حنظلة

إن الثقافة من أهم الركائز التي تُبنى عليها المُجتمعات، ولأنها تعكس حالة الوعي المُجتمعي من المفاهيم التقدمية التي يحملها الفرد وهي نابعة من عدة عوامل مثل العلم والتاريخ والحضارات والأديان التي لها دور رئيسي وهذا يخلق حالة من التكامُل الواعي ينعكس ذلك على مُمارسة الفرد داخل المُجتمع ومدى تأثيرها على مكونات المجتمع وفئاته، ولأن البُنية الاجتماعية مُتكاملة سياسياً واقتصادياً وفكرياً، لذا تُعتبر الثقافة رُكن أساسي في صياغة المفاهيم والعادات المُجتمعية، لهذا نرى أنها تلعب دور أساسي في توعية الجماهير والنهوض بهم الى مرحلة ادراك حقوقهم ومُتطلباتهم الأساسية، ولو شخصنا الحالة الفلسطينية على سبيل المِثال نرى أن المُثقفين الفلسطينيين يتبعون عدة مسارات في تحليلهم للواقع وفرض رُؤى ومفاهيم تُعالج قضايا مُختلفة، رغم إدراكنا أن مفهوم الثقافة تحكمه شواهد تاريخية وعلمية وحضارية تُبنى عليها آلية التحليل رغم اختلاف المنهج المُتبع في تفسير الظواهر، إلا أن العامل الأساسي الذي يُميز المُثقف الفلسطيني يرجع الى استمرار احتلال فلسطين من العدو الصهيوني، وهذا ما يُميز الأدب الفلسطيني في مفاهيم وقواعد حددت طبيعة الاحتلال، لذا اُعتُبر هذا الاحتلال هو احتلال استيطاني واحلالي وبهذا المفهوم نرى أن هذا الاستعمار تبع نهج يختلف عن باقي الاستعمارات التي وقعت على المنطقة، ولو دققنا في مفهوم الاستعمار الجديد لوجدنا أنه أخذ أبعاد اقتصادية كما يحصُل في المنطقة العربية وخصوصاً منطقة الخليج، مما أدى إلى سرقة النفط وأموال الشعوب، ويؤدي ذلك إلى أزمات داخلية وعلى سبيل المِثال العراق ولبنان.. إلخ حالياً، وهذا سببه التبعية الاقتصادية والعقوبات الأمريكية لمنع اقتصاد وطني ولضمان استمرار الهيمنة على دول المنطقة.

أما طبيعة الاحتلال الصهيوني كما أشرنا سابقاً هو احتلال استيطاني احلالي بمعنى قيام شعب على انقاض شعب آخر وبمعنى آخر إحلال الصهاينة على أرض فلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، بمعنى استعمار وجودي ونُشير هُنا إن الاحتلال الأكثر خطورة الذي يوعز ويرسخ الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطينية وهو الاحتلال الثقافي وعلى مدى تاريخ الاستعمار فقد لاحظنا أنه يُمارس هذا الاحتلال بترسيخ استعماره في المنطقة المُحتلة على سبيل المِثال ما استخدمته فرنسا في احتلالها للجزائر والمغرب التي نقلت ثقافتها الغربية وخصوصاُ الفرنسية لهذه الدُول مما يجعلنا نسأل ما هو الهدف من وراء ذلك هو مسح ثقافة الشعوب ونشر ثقافة مُغايرة، وأيضاً مُمارسة الاحتلال الصهيوني الذي يعمل بشكل تدريجي على مسح الثقافة الفلسطينية وسرقة التراث الفلسطيني من خلال كي الوعي وتغيير مفاهيم الصراع وتزييف التاريخ ووضع أزمات داخلية تُساعد على نشر ثقافة الاستسلام والتسليم والتطبيع مع الاحتلال.

فواقع مفروض لا مفر منه ولم يقتصر ذلك بل زيفت تاريخ المنطقة (الأراضي الكنعانية) في محاولة لمسح الحضارة القديمة للكنعانيين الذين هم أول من كان في هذه البلاد وأسس بها ثقافة وحضارة لا تزال تتناقل إلى يومنا هذا ويرسخ ذلك من خلال بُعدين هما أولاً الادعاء بالحق مثلما أشرنا، والبُعد الثاني هنا هو طمس الثقافة الوطنية من خلال فرض ثقافة التطبيع التي تنشر مفهوم التعايش السلمي ما بين الشعبين ومفهوم السلام الذي جسدته الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية وتعمل الى جانب المؤسسات مدعومة من دول امبريالية باستهداف الجيل الصغير من أجل تغييب الحق الفلسطيني من أذهان الأجيال الفلسطينية في المُستقبل، ناهيك عن أن هنالك مُثقفين يدعون أنفسهم مثقفين وطنيين يُجسدون كلام الصالونات الذي يطرح مفاهيم جديدة لحل الصراع الذي يتماشى مع مفهوم التطبيع والتعايًش، وهذا لاستهداف شريحة مُعينة بشكل رئيسي من الشعب، وهي شريحة المُناضلين العقائديين وهناك شريحة المُثقفين الثوريين الذين يؤمنون بحتمية النصر ويعملون على توعية الأجيال ومُجابهة الاحتلال، هذا يُشكل النموذج المُثقف المُشتبك ويُجسد المُناضل الفلسطيني الذي يُمارس أشكال النضال المُختلفة.

وللمُثقف الثوري دور كبير جداً في تصليب القناعة وتوعية كل شرائح المُجتمع من خلال عدة عوامل مثل الندوات والجلسات والمقالات والمواضيع، ووضع رؤية وطنية تُحدد البرامج وآليات الاشتباك ومواجهة الاحتلال الصهيوني وترسيخ ثقافة وطنية من خلال أدب المُقاومة الذي يُسلط الضوء على مُعاناة الشعب الفلسطيني والجرائم التي ارتُكبت بحقه وأحقيته في أرضه دفاعاً عنها ونقل هذه الثقافة من جيل الى جيل حتى تحقيق آمال الشعب الفلسطيني وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.