ندية العقل شرط أساسي لندية الفعل كيف نفهمه وكيف نترجمه؟

العقل

(القرّاء الأعزاء:

يضع مركز حنظلة للأسرى والمحررين بين أيديكم، نتائج جلسات النقاش الكادري لمنظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن عوفر، لأهمية وعمق محتوى هذا الحوار، ومضامينه المنهجية والفكرية والعملية، المطلوب أن نتسلح بها، أفراداً ومؤسساتاً وأحزاباً وطنية).

في البداية لا بد لنا من أن نعرج على تعريف مفهوم الشعار السياسي، فأي شعار حتى يشكل إطاراً نظرياً مبسطاً لموضوعنا يساعدنا في إجراء مقاربة عملية تفيدنا في فهم شعارنا والإمساك بمضامينه، بما يمكننا من نقل هذا الفهم من الجانب النظري المجرد إلى الجانب العملي التطبيقي في حياتنا الحزبية ونضالنا الوطني في الأسر وخارجه، في بناء المواجهة المستمرة مع الاحتلال. فالشعار السياسي وبكلمات بسيطة هو صياغة مكثفة لبرنامج ومهام عمل في مرحلة سياسية محددة، وإيصاله بكلمات واضحة ومحددة بيسر إلى أعضاء الحزب وجماهيره، ليجري ترجمته بطريقة إبداعية واحترافية في آن، إلى مهمات عملية ميدانية على الأرض تقربنا إلى أهدافنا الوطنية والاجتماعية، لذا يتوجب أن يكون الشعار محدد الأهداف بطريقة لا لبس فيها، وقابل للتحقيق والقياس، ويناسب المهمة المطروحة، وإلا فإنه يفقد مضمونه السياسي الحقيقي، ويصبح شعاراً حالماً طوباوياً، يشتت الجهود ويضيع الاتجاه ويزرع الإحباط واليأس في ميدان المواجهة.

في إطار الفهم النظري العام، وارتباطاً بشعار: التحرر الوطني، كيف يمكننا فهم المضامين العميقة لهذا الشعار وأهميته العملية؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية وهي الأهم: كيف يمكننا التسلح بهذا الشعار لترجمة هذا الفهم بعقل إبداعي خلّاق وذهن متنور وبروح متحفزة تؤمن بالاحتراف الثوري على مستوى الفرد والمجموع في كل ميادين المواجهة ومساحات الاشتباك التاريخي المفتوح مع هذا العدو الغاصب؟

إن هذا الكلام يعني ببساطة أن علينا أن نستحضر العقل دائماً، في التحليل والتخطيط والبرمجة والقياس والمتابعة واشتقاق المهام والبرامج وفي تحديد أولويات العمل، وفي الفكر والسياسة والتنظيم والأمن ومختلف طرق النضال الجماهيري والاجتماعي والفكري والاقتصادي ... إلخ، إذاً نحن نتحدث عن منهجية عمل ثوري احترافي، مبني على منطق عقلي ومنهج علمي وعملي إبداعي في ميدان الصراع، وبهذا المعنى فإن شعارنا هذا ليس عبارة زائدة، نزيّن بها وثائقنا وإصداراتنا الحزبية والوطنية، وليس ترفاً فكرياً يراد منه جملاً ثوريّة.

إن النضال ومقاومة المحتل ليست "موضة"، أو تعبئة وقت فراغ، أو "فزعة" موسمية، كما أنه ليس نزوة شخصية، أو ساحة استعراض للتغني بشعارات وعبارات رنّانة، إنه أبعد من ذلك كله بعد السماء عن الأرض، إنه احتراف ثوري وله ثمن، ويعبر عن انتماء حقيقي صارم، وانحياز واعي ومسؤول لقضية سامية وأهداف نبيلة، تثمّن بالعرق والدم.

ترانا لا نجافي الحقيقة الرئيسية إلى غياب "ندية العقل" في الصراع والارتهان إلى العقلية الذاتية، عقلية الفهلوة و"أبو الفهلوة"، التي لا تحترم عامل الزمن، ولا تؤمن بالتركيم، وتلجأ الى التساهل، بديلاً للتخطيط والمتابعة وكأننا في فزعة "عرب" عابرة.

من المؤكد أن تحقيق شعارنا لا يتم بجرة قلم، ولا يمكن الوصول إلى مضامينه وأهدافه بين ليلة وضحاها، المهم أن نطرق جدار العقل، ونبدأ بتوحيد الفهم، وتجسيد البدايات، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ونحن نعي تماماً أن مضمون شعارنا يعبّر عن استحقاق نضالي مستمر ويحتاج إلي جهد فردي وجماعي، مثلما يحتاج إلى الوقت. ومن الضروري هنا، أن تتوفر القناعة الراسخة بأهمية وضرورة مغادرة حالة الانتماء العفوي-العاطفي، وتمثلّ مضمون روح شعارنا في كل المجالات وساحات العمل النضالي، وفي النهاية وقبل الختام، وحتى نحرك تفكيرنا ونحفزه دعونا نثير التساؤلات البسيطة التالية، من واقع حياتنا الحزبية/الوطنية، التي تؤثر على أهمية فهم ما أوردناه أعلاه:

  1. كيف تستقيم الأمور ونحن نخوض صراعاً وطنياً واعياً، مع عدونا الصهيوني، وفي ذات الوقت نقدم له معلومات أمنية مجانية على صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي؟
  2. هل يحق لنا أن نسمي أنفسنا مناضلين ونحن نحمل القضية الفلسطينية، والبعض منا لا يعرف تاريخ فلسطين ولا جغرافيتها ؟
  3. هل ننتظر حلاً من السماء، كي نبني ذاتنا ونحقق وحدتنا، ونحن لا نضع خطط عمل دقيقة وتفصيلية مستندة إلى رؤية وطنية شاملة، مشتقة من صلب مشروعنا الوطني الجامع، ونخسر كل الطاقات والإمكانات على طريق تحقيقه، بحيث تخضع خطط العمل والممارسة المبنية عليها للمتابعة والمراجعة والمسائلة والتقييم.. أي المسؤولية الشاملة؟
  4. كيف لنا أن نتحدث عن تيار وطني ديمقراطي جامع للقوى والمؤسسات والشخصيات الوطنية الديمقراطية، يمتلك هذا التيار برنامج وطني واجتماعي ديمقراطي، دونما أن نخلق أدواته وحوامله المتخصصة والمهنية لهذه المهمة، تؤمن بالمتابعة الحقيقية والتفصيلية، وتبني على المنجزات البسيطة المتواضعة، وتراكم عليها نحو الإنجازات الأكبر؟
  5. هل يجوز أن نعمل ونناضل على المستويين الحزبي والوطني دونما إجراء مراجعات دورية، ووقفات تقييمية مسؤولة للنتائج، تطال البرامج والأفراد، وأخذ الدروس، وتعزيز ما هو ايجابي، ومغادرة كل ما هو سلبي وضار؟
  6. لماذا لا يقبل العقل النقد بسهولة أو الاختلاف بالرأي ويدعي البعض أنه يمتلك الحقيقة دائماً، وأن لديه الحلول السحرية والوصفات الجاهزة دونما غيره، وكأنه لا ينطق عن الهوى؟