مسيرات العودة خلاصات وممكنات (1)

مسيرات العودة
المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

تقييم التجارب النضالية يتم بإحدى أوجهه لغاية استخلاص دروس وعبر لبناء سياسات وصياغة توجهات وإنضاج الممارسة، وهذا ما يجب أن ينطبق أيضاً علينا كفلسطينيين في سياق نضالي، أن نستخلص الدروس المختلفة ومن تجربتنا النضالية أيضاً، هذا ما نحاول القيام به أحياناً. وفي هذا السياق فإن التوقف أمام تجربة مسيرات العودة التي انطلقت وتطورت في يوم الأرض ومحاولة الاستفادة منها باتجاه العمل على صياغة النموذج النضالي الذي نحتاج إليه راهناً، يتطلب منا تسجيل بعض الخلاصات الهامة، كمقدمة تتعلق بتجربة مسيرات العودة، بحيث يمكن التأسيس عليها باتجاه إنضاج المفاهيم وإنتاج النماذج والارتقاء بالأداء النضالي استناداً لما تراكم.

ما بين العنف واللاعنف:

إن المشاركة الشعبية المباشرة بالفعل الثوري تعتبر المركب الرئيسي للثورة، وباعتماد أشكال نضالية عديدة ومتنوعة، يعتبر المتطلب الرئيسي لتحقيق الأهداف، بحيث يتم من خلالها أيضاً توحيد الجهد وتنظيمه، وبإطار تجربتنا الفلسطينية فقد تعددت الممارسات والأشكال النضالية وتنوعت، وثار حولها الجدل باتجاه ما هو الأكثر فعالية وما تطلبه المرحلة الراهنة.

ومع انطلاق مسيرات العودة والتي قدمت بعداً هاماً في إحدى نواحيه تتعلق بشكل جدلية وتكامل العلاقة، بالأخص ما بين الفعل المقاوم العنيف والفعل الجماهيري المبدع والمتنوع، حيث أنتجت هذه التجربة مفهوماً متعدداً حول الفعل النضالي لحماية المقاومة، وللإيضاح بشكل أوسع حول هذا المفهوم الذي تبلور كما هي المفاهيم الأخرى، وتوالدت أفكاره كما الأفكار من رحم حالة الفعل النضالي على الأرض، وهذا المفهوم قام على أساس ما تم من فعل جماهيري منذ تاريخ 30/3/2018 حيث تقدمت الجماهير باتجاه فواصل العزل وخاضت مواجهتها ورد الاحتلال على هذا الفعل الجماهيري بشكل عنيف هادفاً لتحقيق حالة قمع بالدماء، فكانت ردود المقاومة على تجاوزاته عبر أشكال عدة من قنص وإطلاق قذائف، وبشكل مدروس ومحسوب جيداً، وبما ينتج حالة ردع أيضاً، لتغدو حالة النضال الجماهيري الفاعلة تمتلك قدرة حماية المقاومة، ولا تحل الثانية مكانها ولا تحول الفعل الجمعي إلى فعل مقاوم عنيف محدد ومحدود المشاركة، بل تُبقي الحالة النضالية قائمة متكاملة وممتلكة للتنوع وعناصره لدى الحاجة لها.

إن مفهوم الحماية يشكل نوع من التوازن الرادع نسبياً مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تناسب الإمكانات بيننا والعدو، ويمثل أيضاً خلاصة حول أهمية بقاء الخيارات النضالية المتنوعة قائمة وعدم التنازل أو إسقاط أي شكل منها، ففعاليتها تقوم على تنوعها وقدرتنا على التأثير، تتأسس على قدرتنا على الإبداع واستخدام كافة أشكال النضال ووعي العلاقة القائمة بينها، ولعل هذه الخلاصة الأولى والأهم لتجربة مسيرات العودة.

الإبداع والخصوصية:

إن الحكمة الجماهيرية هامة، وتقدم الجديد دوماً وفيما يتعلق بتجربتنا فإن الفعل الجماعي الجماهيري لدى وجوده وسيطرته وفعله في الساحة النضالية، والتي يجد بها مساحة الحرية الحقيقية ليبدع وينطلق، مرتبط بإدراكه بأن الإبداع بالجوهر هو إدراك الخصوصية ووعيه لدوره وإدراكه لممكناته المتميزة في أحيان كثيرة.

إن البعد الإبداعي في المشروع النضالي مركب هام، وهذا ما أعيد التأكيد عليه عبر مسيرات العودة، فالحالة الشبابية النضالية أنتجت الطائرات الحارقة، وأطلقت أشكال مواجهة متعددة، لتعيد التأكيد على أن هنالك إمكانات لمواجهة الاحتلال، وهنالك قدرة على ذلك، في حال توافرت الإرادة والوعي والتنظيم والقيادة والمساحة والمجال، ليغدو هذا درساً هاماً لناحية أهمية تطوير وسائل وأدوات النضال، والارتقاء بها، وإخضاعها دوماً للنقد بهدف التطوير، إضافة إلى خلاصة ممكنات الدور الجماعي والفردي وقدرة الأخير أيضاً على الحضور والتأثير، وجعل حالة المقاومة فعلاً شاملاً وممارسة هامة ايجابية فاعلة.

إن الإبداع يحتاج إلى مجال، والأخير بالضرورة أن يحمل قيمة الممر، بحيث يمثل حالة يتمكن كل شاب وشابة من الفعل والمشاركة والإبداع.

المركب القيادي:

خلاصة مؤكدة ويعاد تأكيدها، وهي الحاجة إلى المشاركة الوطنية الجماعية في قيادة الفعل النضالي، وبتواجد القيادة بين الجماهير وعدم الانفصال عنها، حيث أن تجربة المسيرات وفرت نموذجاً لحضور ودور وفعل هيئة قيادية وطنية، وجودها لا يعني تماثل مركباته، بل إن الاختلاف قائم لكنه عنصر قوة لا ضعف، لكن هذا النموذج القيادي لم يستطع حتى الآن تمثيل نموذجاً مؤثراَ على السياق الوطني العام، ليكن بممارسته أكثر ارتقاءً لتثبيت شعار "وحدة لا انقسام"، لكنه يمكن أن يؤسس لاحقاً لقيادة حراك مسيرات الوحدة والتي تعتبر رافعة لمشروع العودة.

العودة كثابت:

ما بين الأرض والإنسان وجدلية العلاقة، وطول الزمان والمكان والذاكرة والإرث والحكاية تتكثف القضية الوطنية الفلسطينية بمركبيها الإنسان والأرض، وبعناصر استهدافهما من قبل العدو الذي يعمل على تصفيتها، وبمقدمة ما يسعى له هدف إنهاء حق العودة كمركب رئيسي للصراع وفي الوعي الفلسطيني، ليغدو التأكيد على هذا الحق بمثابة رسالة هامة، لأن السياسات المتبعة قد فشلت، وأن خطاب الحق الفلسطيني قائم في مواجهة خطاب القوة والتعسف، وأن سنوات طويلة من التراكم والعمل لتصفية هذا الحق لم تنجح، وأن عنوان النضال الرئيسي هو العودة كحق.

الطاقة والإمكانية:

حجم المشاركة في الفعل الجماهيري هام، فهو يعيد الدور الذي تم تغييبه واستلابه على مدار سنوات من محاولة تجميد الشعب وجماهيره من المشاركة، وإيمانها بالقدرة على إحداث الفرق والتغيير، حيث تم تغييب المجال العام والتركيز على المجال الخاص الشخصي الفردي، وارتفع باتجاه الأداء العام الواسع الجمعي، حيث تم تحفيزه عبر إعادة القدرة للعمل وبث الروح بامتلاك التغيير بالأخص لدى القطاع الشبابي.

إن ما ذكر من عناوين أولية يمكن تطويرها، والإضافة لها لكن السؤال هو: كيف يمكن أن نترجم ما سجل وسَيُسجل من خلاصات على صعيد الشكل الفعلي المقاوم في الضفة و القدس وفي داخل وخارج فلسطين؟