الأسير محمد عسكر يكتب القفص الحديدي "البوسطة"

ce5e33a2a103117c5321c61e391495e8
المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

مصير جميع الأسرى الصعود إلى تلك البوسطة، كالأسير الذي ينتظر موعد محاكمته أو ذلك الذي فرض عليه النقل إلى سجن آخر أو حتى الأسير الذي ينتظر موعد فحصه في السجن المشفى رغم معرفته وإدراكه بالإهمال الطبي الكبير الذي سيلاقيه هناك، هذه البوسطة هي عبارة عن شاحنة نقل للأسرى لا تصلح لأن ينقل بها الحيوانات فهي مكونة من جدران فولاذية يوجد بها ثمان وعشرون مقعد من الحديد الصدئ المشبع بالبرودة والمليء بالثقوب وفيها أربع أقفاص صغيرة الحجم وفي كل واحدة منها يوجد مقعدين وتسمى "الانفرادي" أي المنعزلة أو المنفردة وهي تستخدم  لفصل الأسرى أثناء عملية النقل، وقبل النقل وما يرفقه من قسوة وأساليب جائرة وحقيرة في حق الأسير يمر السجين في التفتيش عبر آلة يدوية لفحص المعادن ثم يتم تفتيشه بالأيدي على جسده بطريقة مذلة، هذا وبين خروج الأسير من القسم الذي فيه، كما وتفحص الحقائب الخاصة بالأسير، وهنا يكون قد انتهى الأسير من المرحلة الأولى وعند الوصول إلى نقطة التفتيش الثانية التي تكون بأسلوب أدق حيث يسكن الأسير إلى غرفة كبيرة وفيها جهاز أشد دقة يتم فحص الحقائب والحذاء عن طريق الأشعة السينية ومن ثم يلقى الأسير إلى زنزانة يسمونها "غرفة الانتظار" تجمع ما يقارب الخمسة عشر أسيراً وهنا يقضي الأسير ساعات من الانتظار الطويل في حر الصيف أو برد الشتاء إلى حين وصول البوسطة وعندها على كل أسير في انتظار دوره للصعود إلى ذلك القفص الحديدي "البوسطة" رغم عدد المرات الذي يفحصون بها الأسرى وحاجياتهم إلى أنهم قبل الخروج يتعرضون لعملية تفتيش أخرى من قبل وحدة خاصة بالنقل تسمى وحدة "النحشون" المعروفة بقمعها للأسرى، حتى أنهم يفحصون بقوة وإحكام الأقفاص في الأيدي والأرجل وما ينتج عن تلك القيود الاحمرار أو الجروح والتقرح أحياناً في المعصمين والأقدام بسبب ضغط الجنود عليها.

بعد اكتمال عدد الأسرى تتحرك البوسطة إلى موقف فحص المركبة عند بوابة التسجيل وبعدها نتحرك ويبدأ الأسرى بالتحاور والتعارف وإرسال المراسيل إلى أسرى آخرون والغناء أحياناً لكن المعاناة تنتهك جميع الأسرى بسبب سوء القيادة والسرعة والتي تقدم كدمات للأسرى خاصة كبار السن منهم أو تفعيل أحياناً المكيف في ساعات الصباح الباكر ففي معظم الأوقات تبدأ عملية النقل في ساعات الصباح وقبل شروق الشمس مما ينتج عن ذلك عدم النوم الكافي للأسير والتنكيل به جسدياً ووصوله في نهاية النهار إلى المعبر.

في سجن الرملة هناك يتم إنزال تحليل الأسرى وكأنهم بضائع وسلع وعند النزول يجري تفتيش الأسرى ومن ثم إرسالهم إلى الأقفاص أو كما يسمونها أقفاص الدجاج والتي هي عبارة عن مساحة كبيرة مخصصة من الأقفاص الفولاذية، بها ما يقارب الثلاثون قفص ويتم استخدامها لعملية فصل الأسرى السياسيين والجامعيين من جهة وبين الصغار والكبار من جهة أخرى، وما بين الذاهبون إلى الجنوب أو الذاهبون إلى الشمال للتوزيع على السجون، وبعد ذلك يلزم الأسير الانتظار عدة ساعات إلى حين دوره أو لإرساله إلى غرف المعبر للنوم أو للنقل في الصباح.

وهناك في المعبر غرف تملأها الحشرات ولاسيما البق، وهي سياسة أخرى من إدارة السجون متعمدة لتعذيب الأسير وعدم نظافة الغرف والنوم على فراش ذو رائحة كريهة، وبعد الانتهاء من عملية النقل المسيئة في حق الأسرى والتي تستغرق عدة أيام  يدور الأسرى أثناء رحلة العودة عبر كل نقاط التفتيش من جديد إلى حين وصولهم إلى القسم، في النهاية جميع تلك القيود والأساليب الجائرة والتنكيل والاستبداد والشعور بالألم وكثرة انتشار الأمراض والتعامل السيء بحقارة ضد الأسير رغم ما يتعرض له الأسرى من عذابات وإجراءات تعسفية، مازال الاعتقال في أنظار وعيون الأسرى مصدر فخراً واعتزاز وصمود، وسيبقى جميع الأسرى شوكة في حلق هذا الاحتلال وحتماً شمس الحرية ستشرق قريباً ولن يطول الليل، وان فجر الحرية لطويل.