من الذاكرة "أوسلو والأسر"

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

الانقسام العمودي والأفقي الذي أنتجه اتفاق أوسلو وجد انعكاسه على واقع السجون عام 1993 وما تلاها من أعوام، حيث التفكير بالإفراج بات مسيطراً على جزء كبير من الأسرى، والتفكير بالمواجهة على جزء آخر سياسياً ما بين داعم ومعارض، لكن عجلة التفكير في الأمل كانت تدور، وبدأت تدريجياً يتقلص مفهوم ومساحة الحرية من جماعيتها إلى فرديتها كمنطلق، والالتزام كقيمة عامة جماعية وسلوك فردي بدأت يتآكل، ومعالم بدء تقدم الهمّ الفردي تتصاعد، والتساؤل حول مبرر الوجود داخل الأسر حاضر "ماذا تبقى؟!"

وأخبار تتوارد يومياً حول مجيء السلطة والرتب والمراتب والمرتبات، وتتسلل وتجد لها الصدى الذي بات يبرز أجواء سادت بين الأسرى: حذرة، متشائمة، متفائلة، ناقدة رافضة، مؤيدة، حرية تقترب، أمور تتغير، وحياة تأخذ منحى مختلف بين عشية وضحاها، برامج يومية ثقافية تضّعّف وتحمل بوادر التلاشي، صيغ عمل وطنية تتحول إلى روتين لا داعي له، وأحلام تُنشر هنا وهناك، تفرزها دفعات الإفراج أعوام 93 و 94 و 95.

التأثير كان واسعاُ والمشهد متداخلاً ما بين رفض رفاق الشعبية والديمقراطية التوقيع على وثيقة التعهد مقابل الإفراج، الذي مثل موقفاً نضالياً متقدماً، لكن مع تساؤل ما البدائل؟ التمسك بالرفض يستدعي استحقاق.

لم تكن القوة السياسية على مقدار تحديه، فكانت تسوية التراجع عن البند السياسي، ليتبع ذلك الإضراب السياسي الأول عبر تاريخ الحركة الأسيرة عام 1995 مطالبتاً بجدولة الإفراج عن جميع الأسرى، ورفضاً لمعايير حكومة الاحتلال بالتصنيف "الملطخة أيديهم بالدماء" خارج معيار الإفراج، وسيطر شعور بأن قضية الأسرى ليست بذات أهمية جدية وهذا ما ثبت لاحقاً.

إن مستوى التغيّر طال جوانب عدة على صعيد الحركة الأسيرة، عاصفة من التغيّر طال العديد من المسلّمات والقواعد، ضعف البعد الجماعي والمسؤولية الجماعية، فقدت العديد من الأمور معانيها، وسادت فكرة الخلاص الفردي، وتحجم مفهوم الحرية، رغم بقاء حالة الاستهداف للأسرى قائمة بذات الوتيرة، لتغدو ساحة السجون نموذجاً مكثفاَ لما يحدث خارجها: أزمة مشروع وطني، وانقسام سياسي، ومجيء إدارة ذاتية، وبروز نخب مسيطرة بقيم ومفاهيم جديدة، لكنها لم تعنِ أن مشروع الاحتلال قد تراجع، بل وتيرة الاستيطان تزايدت، المصادرات وشق الطرق الالتفافية، الحواجز والتضييق، محاولات مستمرة لاستهداف حق العودة، فمن تغير نحن أم هم؟!

بات الأمر مكثف في السجون باستهداف قائم، ونمط حياة يومي مقاوم يتغير، تراجع البعد السياسي التنظيمي الوطني، لتحل مكانه أبعاداً أخرى مناطقية مصلحية ضيقة، تجاوزناها سابقاً أو هكذا اعتقدنا، لتبدو مرآة التكثيف عنوانها "السجون".

سنوات مرت على اتفاق أوسلو ومازالت الحركة الأسيرة تعاني مما أُسس حينها، ولم تستطع أن تغادر هذه الحلقة العالقة بها.