جاء نيسان آخر

إلى ربحي حداد وهو يكمل الخامس عشر ربيعاً من عمر الشهادة بقلم الأسير كميل أبو حنيش

ربحي حداد
المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

وجاء نيسان آخر.. 15  نيسان مضت على رحيل أبا الرامز، واسمك ينبت مع شقائق النعمان الرفيعي متمرداً على النسيان، في الأمس القريب كنت تزرع وتربي فينا الأمل  وكنا ننشدك في المهمات الصعبة ونلتمس دفئك في زمن الجليد وفي ليالي القسوة  والزمهرير وكعادتك لا تبتسم وكان يكفينا البريق النابض من مُقلتيّك ويكفي ان نعرف انه تجّهم الرجال المسكونين بالأوجاع الكبرى والهواجس الوجودية.

اجل كنت متشائماً ولكنك لا تعتكف ولا تحتجب وتعرف  متى  تبرز كالشمس في وسط الغيوم الداكنة، انت الان في ربيعك الخامس عشر من عمر الشهادة، ربيعك الأبدي الذي لن يعرف سيف الجفاف لن يتربص به الخبيث ولن تعكر اجواءه عواصف الشتاء وليس غريباً أن ترحل من نيسان لأنك تشبه خضرته وازهاره ودافئاً كصيفه وصافياً كسمائه وكم كنا نتمنى ان يكون خبر استشهادك ابيض ككذبة نيسان لكنك لونته بالدم الاحمر القاني لأنك لا تعرف الكذب ولا تتقن الا النجاح وحب الدعابة مثلما عرفناك دائماً تسبح عكس التيار وتسير عكس الطبيعة والفصول صاخباً وقت الهدوء وهادئا تحت وقع القنابل والزلازل لأنك تعرف ان تقرأ نشرة احوالنا الجوية، لا تعبأ بأوهام السلام حذرتنا مبكراً من الزلزال القادم وانه سيكون مصيرنا كمصير الجنود الحمر ما لم نصرخ ونقاوم، لم يصدقك المتهافتون الى  فتات الموائد، القيت بنظرة اشمئزاز الى موائدهم الباذخة  وخرجت تلعن السم الزاحف في كؤوس النبيذ وفي دسم الطعام لأنك منذ البداية لا تثق بالطباخين، وحين وقع المحظور كان قد فات الاوان ولكنك رحلت مضّرجاً بدمائك ومات الآخرون وهم على قيد الحياة، رحلت اذن ولم نصدق أنك رحلت الى عالم اخر فلقد اصابنا وهم الشباب وان من يذهب الى هناك وحدهم الفتيان والشباب لانهم يفتقدون الى حكمة الشيوخ او لانهم الاكثر جرأة على القتال واذا بك تعلن انك لازلت شاباً ولازلت وفيا لزمن الثورة الذي يجعل منك مقاتلا يسرق الاسر اجمل سنوات عمره وهناك في عالم القيود والابواب الموصدة تحول السجن الى ميدان قتال جديد وتضمد الجراح وتصنع الرجال ولم ينتبه احد انك تعشق رائحة البارود لأنها وحدها الطريقة والطريق لرائحة زهور بيادر يافا وحقول الياسمين في حيفا، ولن يفهم صبيان الازقة ممن اعتادوا رشقك بحجارتهم الصغيرة ان في الموت حياة وأن فلسطين شاسعة الكون وان عار الحذاء المدنس لارضنا لا يغسله الا الدماء وعندها فقد يكتمل معنى الشهادة فهنيئاً لك نيسان العظيم نيسان الربيع الأبدي وهناك ستبتسم  طويلا وفي ذكراك دائماً تنبع رائحة الزعتر الجبلي وتعود انت مع شقائق النعمان في كل عام وهنيئاً لك ذلك العالم وهناك لا مكان ولا زمان وانما السكون الابدي وهنيئا لك نيسان الشهادة حيث تكترث شقائق النعمان و تمتحن سماؤه الصافية وتنام  في دفئ شمسه وزقزقة طيوره واريج ياسمينه ولك المجد ومنا الوفاء.